هي سورةٌ مكيةٌ رقمها 18، تسبق سورة مريم وتلحق سورة الإسراء، في ترتيب سور القرآن الكريم. عدد آياتها 110 آية، وهي من السور المكية المتأخرة في النزول، إذ أن ترتيب نزولها 69. تتوسط السورة القرآن الكريم، فهي تقع في الجزئين الخامس عشر والسادس عشر، 8 صفحات في نهاية الجزء الخامس عشر و3 في بداية الجزء السادس عشر. تتناول السورة عدة مواضيع، تدور حول التحذير من الفتن، والتبشير والإنذار، وذكر بعض المشاهد من يوم القيامة، كما تناولت عدة قصص، كقصة أصحاب الكهف الذين سُميّت السورة لذكر قصتهم فيها. سورة الكهف من السور ذوات الفضل في القرآن الكريم، وذكرت في أحاديث كثيرة، ومن أهم فضائلها ما ذكر أن قراءتها في يوم الجمعة نورٌ ما بين الجمعتين.

""

قصة اصحاب الكهف
كان هناك ملك يعبد الأصنام، وينظم المواكب للمعابد لزيارة تلك الأصنام وتقديم القربان لها، وكان هناك مجموعة من الفتيان في موكب الملك ومن أتباعه، قد تمردوا سرًا على عبادة الأصنام، وكانوا يؤمنون بالله وحده لا شريك له. كانت الفتية يتقابلون سرًا في منزل أحدهم، ليعبدوا الله سبحانه وتعالي ويقيمون الصلاة، فبالرغم من أنهم شباب وليسوا شيوخًا، ومع ذلك رفضوا حياة الترف التي كانوا يعيشونها مع الكفر، وفضلوا الحياة الآخرة، ليخلد الله ذكراهم في القرآن الكريم. ترك أهل الكهف عبادة الأصنام وعبادة الله الواحد علم أحد سكان المدينة بأمرهم فذهب إليهم وسألهم عما يفعلون؛ فأخبروه أنهم تركوا عبادة الأصنام، وأسلموا لله تعالى، يقول الله تعالى “وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا” ذهب ذلك الرجل إلى الملك، وأخبره بقصة الفتية، وكيف أنهم تكبروا على الآلهة التي يعبدونها، فغضب الملك غضبًا شديدًا، وأمر أتباعه باستدعاء أولئك الفتية لمقابلته. تهديد الملك الفتية بالتعذيب أو القتل وهروب الفتية قابل الملك الفتية المؤمنين، وهددهم بالتعذيب والقتل إن لم يتراجعوا عما يفعلون، وأخبرهم أن ما يمنعه من قتلهم على الفور أنهم شباب صغار، لم يدركوا الأمور على حقيقتها، وسيعطيهم فرصة للتفكير. لم تؤثر تلك التهديدات في نفوس الفتية الصغار، بل زادت من إصرارهم على الإسلام والإيمان، واتفقوا على الهروب من المدينة ليلًا. لم يجلس الفتية في مكانهم، ولم يستسلموا للشرك، ولم يرضوا بعبادة إله دون الله عز وجل، فقد فضلوا الهروب على الجلوس في أماكنهم، فضلوا الهروب إلى كهف مظلم بدلاً من المكوث في مدينة زاهرة بالخيرات والنعم ولكن أهلها مشركين. اغتنم الفتية فرصة عدم تواجد الملك وسفره خارج البلاد، واتفقوا على ميعاد معين يتقابلون فيه بالليل حتى يتمكنوا من الهروب دون أن يلحظ أحد من سكان المدينة شيئًا. وعندما جاء الميعاد وتقابلوا، أخذوا يسيرون على أطراف أقدامهم حتى لا ينكشف أمرهم ويقبض أتباع الملك عليهم. وإذا بكلب أحدهم يسير ورائهم؛ خاف الفتية أن يفضحهم الكلب بنباحه فطردوه، ليعود إلى المدينة، ولكنه أصر أن يسير ورائهم فحينما لم يجدوا فائدة من طرده تركوه خلفهم. توجه الفتية إلى الله بالدعاء كي يرحمهم، وينجيهم من القوم الكافرين وقالوا “رَبَّنَا ءَاتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا “ وسار الفتية في طريقهم، حتى وجدوا كهفًا فرأوا أن يستريحوا فيه فجلسوا، وأكلوا بعض الثمار وشربوا الماء، ثم أحسوا بالتعب من السير طوال الليل، فغفلت أعينهم وناموا في سبات عميق. في الصباح شاع أمر هروب الفتية في المدينة بأكملها، وعلم الملك بذلك فخرج في موكب له للبحث عن أولئك الفتية، الذين عصوا أمره فليعذبهم على ما فعلوه. أخذ الملك يبحث عنهم ويتتبع آثارهم حتى وصل إلى الكهف الذي دخلوا إليه فلما رأى أن ضوء الشمس لا ينفذ بداخل الكهف أمر أتباعه بدخول الكهف لمعرفة إذا كانوا بالداخل أم لا؟ خاف أتباع الملك من دخول الكهف المظلم، واقترحوا عليه فكرة أعجبت الملك كثيرًا؛ فقد سألوه: أتريد قتلهم؟ فأجابهم بنعم، قالوا: فلتغلق عليهم ذلك الكهف بحجارة كبيرة، وبذلك سيموتون بداخله من الجوع والعطش وبالفعل فعل الملك ذلك. مرت الأيام والسنين والفتية ما زالوا نائمين لم يستيقظوا، وهنا تتجلى قدرة الله عز وجل ويقول في كتابه “وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ” حيث تطلع الشمس وتغيب، وهم ما زالوا نيامًا، يرعاهم الله بقدرته وجلاله. وتتجلى قدرة الله سبحانه وتعالى، فيبقي أعينهم مفتوحة طوال تلك المدة؛ لأنها إذا بقيت مغلقة ستتأذى، كما يقلبهم الله بقدرته؛ حتى لا يصيب أجسادهم القرح والتآكل من طول مدة الاستلقاء والنوم. وحان أمر الله برجوع أرواحهم إليهم؛ ليستيقظوا من نومهم بعد مرور ثلاثمائة وتسع سنوات، لما عاد إليهم وعيهم أخذوا يتساءلون يا ترى كم لبثنا في ذلك الكهف، فرأى أحدهم أنهم لبثوا ليلة، ورأى الآخر أنها أكثر من ليلة، ثم قالوا “رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ” شعر الفتية بالجوع الشديد، فأخرجوا قطعة نقود فضية، ثم طلبوا من أحدهم أن يخرج من الكهف؛ ليشتري لهم بعض الطعام من سوق المدينة، ولكن أوصوه بأن يمشي متخفيًا حتى لا يتعرف عليه أحد، ويستدلون على مكانهم ويقتلونهم. حاول الفتى الخروج من الكهف؛ فوجد بقايا الحجر الذي بناه الملك فهدمه، ثم خرج وتعجب أشد العجب، عندما رأى شوارع غير الشوارع التي ألفها وبيوتًا غير البيوت التي تعود عليها، وأناسًا لم يقابلهم من قبل. رأى اختلافًا كبيرًا في أشكال الناس، وملابسهم ومنازلهم وطرقاتهم فتساءل متعجبًا: كيف حدث كل ذلك التغيير في ليلة واحدة فقط؟! لم يكن هو وحده متعجبًا، بل تعجب أصحاب المدينة من منظره، ومن ملابسه التي ترجع إلى أزمان ماضية، وهيئته التي تختلف عن هيئتهم كثيرًا؛ فلفت أنظار كل المارة في الشوارع، مما أوجس الخوف في قلبه أن يعلم الملك بمكانه فيقتل وعندما وصل الفتى إلى السوق، وطلب من البائع الطعام، وأخرج له القطعة النقدية، نظر إليها البائع بتعجب شديد وقال له: ما هذا؟؟ أجابه الفتى إنها قطعة نقدية ثمنًا لذلك الطعام. أخبره البائع أنها قطعة نقدية غريبة الشكل، وغير مألوفة، ويبدو عليها أنها ترجع إلى العصور القديمة، تعجب الفتى كثيرًا وسأله كيف هذا وقد كان يتعامل بها بالأمس. قال له البائع أنه سيأخذه إلى الشرطي، فتلك النقود قديمة جدًا ويجب تسليمها إلى الشرطة؛ خاف الفتى وتوسل للبائع أن يتركه وشأنه، ولكن البائع أبى وأصر أن يصطحب الفتى إلى الشرطي. نظر الشرطي إلى قطعة النقود، وقال إنها ترجع إلى عصر الملك منذ 309 عام، وهي قطعة نقود نادرة جدًا، لا يمتلكها أي أحد في ذلك الزمن، وأخذ الشرطي يسأله عن أسماء أهله وجيرانه، فلما أخبره الفتى بأسمائهم قال الشرطي أنه لا وجود لتلك الأشخاص في ذلك الوقت. أخذ الشرطي الفتي إلى الملك، وكان الملك في ذلك الوقت ملكًا عادلاً يختلف كثيرًا عن الملك الكافر الظالم الذي هرب منه الفتية، فلما قص عليه الفتى قصته هو وأصحابه، أصر الملك أن يذهب ويرى أصحابه ويسمع منهم قصتهم، فطلب منه الفتى أن يذهب قبله ليخبرهم، ويستعدوا للقاء الملك. ذهب الفتى مسرعًا إلى أصحابه في الكهف، فلما تساءلوا عن الطعام قال لهم: دعكم الآن من الطعام، وأخبروني كم لبثتم في ذلك الكهف، فقالوا ليلة أو أكثر غالبًا، رد عليهم أنهم لبثوا ثلاثمائة وتسعة أعوامًا في النوم. أخبر الفتى أصحابه بما رآه في المدينة، وكيف تغيرت، وكيف قابل الملك الجديد الذي يريد رؤيتهم، وحينما أدرك الفتية أن بلادهم لم تعد كما كانت، ولم يعد هناك الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء، حزنوا كثيرًا. علم الفتية أن الحياة ستكون صعبة، فطلبوا من الله ورفعوا أيديهم بالدعاء أن يقبض أرواحهم، وبالفعل استجاب الله لهم وماتوا في كهفهم. دخل الملك وموكبه على الفتية في الكهف، فوجدهم قد ماتوا وحدثت الخلافات حول قصتهم، وكيف أنهم قد ناموا كل تلك الفترة، فآمن بعض الناس أن تلك معجزة من الله وقالوا “رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ”. ثم تشاور بعض القوم وقرروا بناء مسجد في ذلك المكان “قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا”. ثم يشير القرآن الكريم عن عددهم، بأن بعض الناس كانوا يظنون أنهم ثلاثة ومعهم كلبهم، وآخرين يظنون أنهم كانوا أربعة ومعهم كلبهم، ليخبرنا القرآن الكريم” قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ”
قصة صاحب الجنتين
تبدأ القصة بمشهد الجنتين، قال تعالي: "وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ" (الكهف). فهما جنتان مثمرتان من الكروم، محفوفتان بسياج من النخيل، تتوسطهما الزروع ويتفجر بينهما نهر، فيا له من جمال المنظر وروعة المشهد، قال تعالي: "كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا " يختار التعبير كلمة تنقص وتمنع، لتقابل بين الجنتين وصاحبهما الذي ظلم نفسه فبطر النعمة ولم يشكر وتكبر، "وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ" أي لصاحب الجنتين أنواع من المال ومن الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك. وقرأها ابن عباس "ثمر" وقال: هي أنواع المال، وها هو صاحب الجنتين تمتلئ نفسه بهما، ويزدهيه النظر إليهما، فيحس بالزهو وينتفش كالديك ويختال كالطاووس، ويتعالي على صاحبه الفقير: "فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا" ثم يخطو بصاحبه إلى إحدى الجنتين، وملأ نفسه البطر والغرور، وقد نسي الله ونسي أن يشكره على ما أعطاه، وظن أن هاتين الجنتين المثمرتين لن تبيدا أبدًا، أنكر قيام الساعة أصلا، ولو فُرض أنها قامت فسيجد هناك الرعاية والإيثار، أليس من أصحاب الجنان في الدنيا فلابد أن يكون ذلك في الآخرة حاشا لله. قيل: كانا شريكين أو أخوين ثم اقتسما المال فصار لكل واحد منهما ثلاثة آلاف دينار، فاشترى المؤمن منها عبيدًا بألف وأعتقهم، وبالألف الثانية ثيابًا فكسا بها العراة، وبالألف الثالثة طعامًا فأطعم بها الجياع. وأما الآخر فنكح بماله النساء ذوات اليسار، واشترى دوابا وبقرا فاستنتجها فنمت له نماء ًمفرطًا، وتاجر ببقيتها فربح حتى فاق أهل زمانه غنى. وأدركت الأول الحاجة "الفقر" فأراد أن يستخدم نفسه في جنة يخدمها، فقال: لو ذهبت لشريكي وصاحبي فسألته أن يستخدمني في بعض جناته، ورجوت أن يكون ذلك أصلح لي. فجاءه فلما دخل عليه وعرفه وسأله حاجته قال له: ألم أكن قاسمتك المال نصفين؟ فما صنعت بمالك؟ قال:اشتريت به من الله تعالى ما هو خير وأبقى، فقال: أإنك لمن المصدقين - أي (بالبعث والنشور)؟ ما أظن الساعة قائمة، وما أراك إلا سفيهًا وما جزاؤك عندي على سفاهتك إلا الحرمان. فذكره صاحبه (الفقير) بمنشأته من ماء وطين، ونصحه إلي الأدب الواجب في حق المنعم، أنذره عاقبة البطر والكبر، وأنه يرجو عند ربه ما هو خير من جنته وثماره. (قال تعالي): قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا"(الكهف). هكذا تنتفض عزة الإيمان في النفس المؤمنة، فلا تبالي المال والفقر، ولا تداري الغني والبطر، ولا تتلعثم في الحق، وهكذا يستشعر المؤمن أنه عزيز أمام الجاه والمال، وأن ما عند الله خير من متاع الدنيا، وأن فضل الله أعظم وهو يطمع في فضل الله، وأن نقمة الله وشيكة أن تصيب الغافلين المتكبرين المتبطرين. وقوله تعالي: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ)، ولو قلت إذا أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها حمدت الله على ما أنعم به عليك، وأعطاك من المال والولد ما لم يعط غيرك، وقلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله، لهذا قال بعض السلف: "من أعجبه شيء من حال أو ماله أو ولده فليقل لا قوة إلا بالله" وفجأة ينقلنا السياق من مشهد النماء والازدهار إلى مشهد الدمار والبوار، ومن هيئة البطر والاستكبار إلي هيئة الندم والاستغفار، فلقد كان ما توقعه الرجل المؤمن (قال تعالي): وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا). وها هو المشهد: الثمر كله مدمر كأنما أُخذ من كل جانب فلم يسلم منه شيء، والجنة خاوية على عروشها محطمة ومهشمة، وصاحبها يقلب كفيه أسفا في حزن وذهول على ماله المفقود وجهده الضائع، وهو نادم على إشراكه بالله، ويعترف الآن بربوبيته ووحدانيته. ومع أنه لم يصرح بكلمة الشرك، إلا أن اعتزازه بقيمة أخرى دنيوية غير قيمة الإيمان كان شركًا ينكره الآن ويندم عليه ويستعيذ منه، ولكن بعد فوات الأوان، هنا ينفرد الله وحده بالولاية والقدرة، فلا قوة إلا قوته، ولا نصر إلا نصره. ويسدل الستار على مشهد الجنة وهي خاوية على عروشها
قصة موسى علية السلام والخضر
ذكر القرآن الكريم قصة لقاء سيدنا موسى عليه السلام بالخضر، حيث قال تعالى :( فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا(66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا). أما عن قصته مع سيدنا موسى عليه السلام، فالقصة تبدأ عندما وقف سيدنا موسي عليه السلام يخطب في بني إسرائيل، فسأل من أعلم الناس؟، فرد موسى عليه السلام بسرعة ودون تفكير أنا، فعاتبه الله عز وجل، لأنه لم يرد العلم لله عز وجل، فأوحى له الله أن هناك رجل عند مجمع البحرين هو أعلم الناس. فسأل موسى الله عز وجل كيف أعرف أنه هو؟، قال له خذ سمكة، وذهب مع فتاه يوشع بن نون عليه السلام، فوصلا لصخرة فناما، وتحركت السمكة ثم سقطت بالبحر، ولما استيقظا من نومهما، سأل موسى عليه السلام عن السمكة فقال له يوشع: (أَرَأَيْت إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نَسِيت الْحُوت وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَان أَنْ أَذْكُرهُ وَاِتَّخَذَ سَبِيله فِي الْبَحْر عَجَبًا)، فَقَالَ موسى عليه السلام:(ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا). ورجع موسى ويوشع للمكان الذي كانا ينامان فيه فوجدا رجل جالس، فحياه موسى وطلب منه أن يعلمه، فقال له الخضر (لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا)، فقال له موسى:( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّه صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَك أَمْرًا)، فقال الخضر لا تسألني عن شئ حتى أحدثك أنا عنه، فوافق سيدنا موسى على أمره. فمشيا حتى ركبا سفينة، فخلع الخضر ألواح هذه السفينة، فقال له سيدنا موسى أتريد أن تغرق السفينة ومن فيها، فذكره الخضر بأن لا يسأل حتى يحدثه هو عن الأمر، فاعتذر سيدنا موسى عليه السلام. وأكمل الخضر وموسى طريقهما فقام الخضر بقتل صبي صغير، فقال سيدنا موسى قتلت صبي و قطعت رأسه بيديك ماذنب هذا الصبي؟، فقال الخضر:(أَلَمْ أَقُلْ لَك إِنَّك لَنْ تَسْتَطِيع مَعِيَ صَبْرًا)، فاعتذر سيدنا موسى مرة أخرى من الخضر لسؤاله. ووصلا لقرية رفض أهلها إطعامهما وقام الخضر بترميم جدار متهدم في القرية، فقال موسى يجب أن تأخذ أجر على ترميم الجدار، فقال الخضر:( هَذَا فِرَاق بَيْنِي وَبَيْنك سَأُنَبِّئُك بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا). فشرح الخضر لسيدنا موسى لماذا أغرق السفينة فهو فعل ذلك لأنه هناك ملك ظالم يأخذ كل سفينة بالغصب من أصحابها، وقتل الغلام لكي يبدل الله الأب والأم ولد صالح رحيم بار، لأن الولد الذي قتل كان سيتعب والداه بطغيانه وعقوقه، أما الجدار فكان مدفون تحته كنز يمتلكه طفلين يتيمين أبوهما رجل صالح مؤمن، فأراد الله أن يكبرا حتى يصلا لهذا الكنز. وبهذا انتهت الصحبة بين سيدنا موسى عليه السلام والخضر، ورحل كلا في طريقه، فتعلم سيدنا موسى عليه السلام دروس لم يكن يعرفها ، لكن سيدنا موسى عليه السلام لم يصبر ليعرف أكثر، فقد قال صل الله عليه وسلم وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصّ اللَّه عَلَيْنَا مِنْ خَبَرهمَا.
قصة ذو القرنين ويأجوج ومأجوج
ذي القرنين حاكم عادل لم تعرف هويته أو شخصيته الحقيقية، فهناك من يقول انه الإسكندر الأكبر، وهناك من يقول انه الفرعون أخناتون المصري، والبعض يرجح انه ملك من حمير، سمي بذي القرنين إما بسبب أنه وصل لأقصى الشرق والغرب، أو لأنه جرح في رأسه بقرنين. وذا القرنين انتقل بجيشه في كل مكان على هذه الأرض، وكان ذو القرنين يتجول في الأرض لكي يدعو لعبادة الله وحده والحكم وفقا لشريعة الله العادلة. ويقال أنه بدأ جولته بأن ذهب للغرب حتى وصل لمكان غروب الشمس أي انه وصل لقارة أمريكا الشمالية لأنها آخر مكان تغرب فيه الشمس في هذه الأرض، والعين الحمئة التي ذكرت في سورة الكهف قصد بها عين بحيرة يلوستون بأمريكا، فهي عين كما ذكرت الآية بها طين اسود اللون. وقد ذهب ذو القرنين لهناك لأن الله تعالى أوحى له أن أمر هؤلاء القوم الذين يسكنون هناك بيد ذا القرنين فعليه أما أن يكافئ الذي يحسن أو يعاقب الذي أساء وفقا لشرع الله تعالى، فبهذا حكم الملك العادل ذو القرنين وبهذا وضع أسسا للحكم، فهو سيعاقب كل ظالم معتدي في الدنيا، وكل الظالمين سيحاسبون أيضا في يوم القيامة حسابا عسيرا، أما من آمن وأحسن فسيكرمه ذو القرنين ويحسن له. ولما انتهى ذو القرنين من امر الغرب اسرع وتوجه للشرق، ولما وصل للشرق ومعه جنوده، إلى المكان الذي تطلع منه الشمس أو قيل للمكان الذي تشرق منه الشمس. ذلك المكان الذي كان عبارة عن ارض مكشوفة خالية من الأشجار والمرتفعات التي غالبا ما تحجب الشمس وأشعتها عن الناس، فحكم ذو القرنين في الشرق تماما كما حكم سابقا في الغرب، ورحل عن الشرق أيضا. ويروي القرآن الكريم أن احد الأقوام استنجدوا بذي القرنين لكي ينقذهم من يأجوج ومأجوج الذين كانوا مصدر إيذاء بالغ لهم، فهم أقوام يعتدون ويفسدون في الأرض. و لما طلبوا من ذو القرنين أن يمنع عنهم أذى يأجوج ومأجوج مقابل المال، رفض ذو القرنين المال وبنى لهم ذو القرنين سدا أسس وفق أسس هندسية عظيمة، بأن ردم ذو القرنين ما بين الجبلين و استخدم في هذا الحديد والنحاس المذاب، فالحديد والنحاس معا شديدي الصلابة والقوة والمتانة. وبهذا انقطع سبيل الشر الذي كان ينشره يأجوج ومأجوج الذين قال عنهم النبي صل الله عليه وسلم انهم سيخرجون للناس آخر الزمن وقبل قيام الساعة. وبعد انتهاء عمل ذا القرنين من بناء السد حمد الله تعالى على كل نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ورد كل الفضل وتوفيقه في عمله هذا لله صأحب العزة والجلال ولم يتكبر أو يغتر ذا القرنين بما وصل له أو بما فعله، بل قال(هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمِ